هل تنجح النسبية في لبنان

Monday, April 4, 2011 0 comments
خناقة برلمانية - أوكرانيا


قد يكون خيار إعتماد قانون إنتخاب وفق القاعدة النسبية هو أكثر الخيارات تداولاً للولوج إلى الإصلاح السياسي الموعود في لبنان. هو أمرٌ متوقعٌ وطبيعي نظراً للمزايا الفريدة التي يتمتع بها النظام النسبي المعتمد في كثير من الدول الديمقراطية.

غير أن البارز في لبنان أن دعاة تطبيق النسبية هم أكثر طوقاً للهروب إليها لتغيير النظام القائم (وربما لحسابات إنتخابية محددة) ، من رغبتهم في الوصول من خلالها إلى دولة أفضل ونظام أكمل.  ومن هنا، فالتركيز في كل ما قرأت منحصرٌ في طبيعة التمثيل وآلية الإنتخاب، دون أدنى إشارة لمدماك أساسي آخر لا يعيش أي نظامٍ دونه وهو فعالية مؤسسات الدولة. إن تكوين السلطة في أي دولة يتعزز بتلازم الأمرين معاً: وجود عدالة التمثيل وجودة آليات الحكم. 

مزايا النسبية 

مما لا شك فيه أن النظام النسبي - عندما يطبق بنجاح - هو أفضل قوانين الإنتخاب ضماناً للتمثيل الشعبي العام. النسبية تحرر الأقليات من إضطهاد المحادل السياسية والمناطقية والمالية والعسكرية والمذهبية وغيرها. هو النظام الأكثر تمثيلاً لرغبات وتلاوين الشعب ولذلك فهو أكثر ديمقراطية من الناحية التمثيلية، لأنه يسمح لكل تيارات الشعب أن تعبر عن نفسها. كما أنه يحول مجلس النواب إلى مساحة تلاقي وحوار وتفاعل كل تلونات الشعب دون عزلٍ أو إقصاء لأيٍ كان إستهتاراً بحجمه التمثيلي في المجتمع.

يشجع النظام النسبي المجتمع على الحراك ويساهم في تأسيس احزاب سياسية جديدة، كما يفرض على الأحزاب الكبرى مراعاة مختلف الشرائح الشعبية عند تشكيل اللوائح (وقد يكون ذلك من الأسباب الأساسية التي أدت إلى رفع نسبة تمثيل النساء في معظم الدول لحظة اعتمادها القانون النسبي).

ومن أهم مكتسبات إعتماد النظام النسبي أنه يوصل إلى مجالس النواب ممثلين لقضايا محددة خارج إطار اللعبة السياسية العامة كالتيارات المناصرة للبيئة مثلاً إضافةً إلى قضايا نقابية وإنسانية وغيرها. كما تساهم النسبية في الحد من فرص التلاعب بالنتائج مقارنةً بالنظام الأكثري حيث يمكن لتلاعب بسيط في قلم إقتراع واحد أن ينسف تمثيل حزبٍ بشكل كامل ويعطي هيمنة لآخر بفارق أصواتٍ ضئيل.

محاذير النسبية - وفي لبنان تحديداً

من المهم الإشارة بدايةً إلى المحاذير التقنية للنسبية من حيث الممارسة. فالنسبية مبدأ عام تحكم جودة تطبيقه القوانين الإجرائية التي تترجمه آلية إنتخاب.

"ففي انتخابات عام 1998 في كمبوديا، أدى التغيير المعتمد في المعادلة الانتخابية بضعة اسابيع قبل موعد الانتخابات إلى فوز أكبر الأحزاب السياسية بما مجموعه 64 مقعداً، بدلاً من 59 مقعد، من مقاعد الجمعية الوطنية البالغة 121 مقعداً. ولم تتقبل أحزاب المعارضة تلك النتائج بسهولة نظراً لعدم الإعلان عن ذلك التغيير في المعادلة بشكل كافٍ. وهذا المثال يدل على أهمية وعي القائمين على تصميم النظم الانتخابية بأصغر وأدق التفاصيل.
وهناك مسائل هامة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار لتحديد طريقة عمل نظام القائمة النسبية. فقد يفرض النطام المعتمد اجتياز نسبة حسم محددة للحصول على تمثيل في الهيئة التشريعية المنتخبة، وإذا كانت تلك النسبة مرتفعة (10 بالمئة، كما هو معمول به في تركيا على سبيل المثال) سيؤدي ذلك إلى اسثناء الأحزاب الصغيرة وحرمانها من الحصول على تمثيل لها، بينما قد تسمح لهم بذلك نسبة حسم منخفظة (1.5 بالمئة، كما هي الحال في "إسرائيل" مثلاً). في جنوب أفريقيا لا توجد نسبة حسم، وقد أدى ذلك في انتخابات عام 2004 إلى فوز الحزب المسيحي الديمقراطي الأفريقي بستة مقاعد من أصل 400 مقعد رغم حصوله على 1.6 بالمئة فقط من أصوات الناخبين. وتختلف نظم القائمة النسبية فيما بينها استناداً إلى إمكانية قيام الناخب بالاختيار بين المرشحين بالإضافة إلى اختياره بين مختلف الأحزاب، أي إذا ما كانت القوائم مغلقة، مفتوحة أم حرة. ولهذا الخيار تبعاته المتعلقة بسهولة أو صعوبة التعامل مع ورقة الاقتراع.
أما الخيارات الأخرى الخاصة بهذا النظام الانتخابي فتتعلق بترتيبات تجميع الأصوات، سواء كان ذلك بشكل رسمي أو غير رسمي؛ أو المجال المفتوح أمام الأحزاب السياسية لعقد الاتفاقات الانتخابية، كتلك التي تتعلق بتشكيل التكتلات الانتخابية؛ أو حجم الدوائر الانتخابية وطريقة ترسيمها." (المصدر)
قد تكون الأزمة الحكومية الحالية، بعد طلاق محوري السلطة، خير مؤشر لما يمكن أن يحصل في لبنان إذا اعتمدنا النظام النسبي وفق نظامٍ برلماني مطلق. فالنظام الأكثري ينتج تكتلات كبيرة في المجلس تستطيع بتحالفها -المصلحي- إنتاج حكومة. أما في النظام النسبي اللبناني المنشود، فالتمثيل النيابي سيتشتت بين القبائل. لاحظ كيف أن تكتل نواب طرابلس مثلاً المكون من ميقاتي، الصفدي، أحمد كرامي فرض نفسه على بقية التيارات المتوافقة على تشكيل الحكومة، فإذ بالأول رئيساً للحكومة والثاني وزيراً أساسياً ويكاد الثالث أن يطيح بفرصة التشكيل، واضعاً فيتو على أحد المستوزرين. ثلاثة نواب يتحكمون برقبة ثلاثٌ وثمانين نائباً(إن لم أخطئ العد)، يحددون مصير حكومة - إلى جانب صراع الجنرالين طبعاً- ويبتزون الحاجة لأصواتهم لمصالح شخصية بل ولحساباتٍ عائلية ضيقة، في حين تتوقف عجلة العمل العام بانتظار نهاية فترة الركوع والتركيع.

النظام النسبي سينتج بالضرورة العديد من التكتلات المشابهة لتكتل نواب طرابلس. ومع تخلف الحياة الحزبية في البلد ونزعة الفردية وعشق الأضواء في الثقافة اللبنانية، لا تستغرب أن تطغى  كارتلات مال ومصالح صغيرة على المساحة الرمادية المتنازع عليها خارج نطاق محاور الإستقطاب الأساسية والوازنة المتمثلة حالياً في ٨ و ١٤ آذار. هذه الكارتلات قد لا تؤثر على الوزن السياسي لمراكز النفوذ الحالية، لكنها ستدخل من خلال النسبية كأوراق لعب مستحدثة على طاولة المحاصصة والمساومة. وهناك أمثلة كثيرة لدول ادخلتها النسبية في مرحلة الأزمات الحكومية المستمرة والإبتزاز السياسي الضيق.

إن دراسة التحالفات الموجودة حالياً يظهر بوضوح أن النظام الأكثري لم يختزل الإرادة الشعبية في قطبين فحسب، بل إختزل -إلى حدٍ ما - سلطة قرار المحاصصة في كلٍ من القطبين المذكورين. ففي كل قطب هناك رأس أو إثنين يوزع الحصص على الحلفاء الذين لا مناص لهم إلا الرضوخ لأن القانون الإنتخابي لا يعطيهم هامش حركة كافي لصناعة قرارهم الحزبي وفق أجندتهم الخاصة. النظام النسبي قد يحدث تصدعاً على هذا المستوى ولكنه سيكون تصدعاً باتجاه فراغٍ سياسي أكبر. تأمل مجلس نواب أكبر كتله مكونة من ١٥ نائب (كتلة أو اثنتين). كيف لكتلة لا تمتلك قرار أكثر من ١٥ نائب أن تشكل حكومة؟ كم ستطول المساومة مع كتل ال٤ وال٥ نواب وصولاً لتشكيل الحكومة؟ ما هي الأثمان التي ستدفعها الحكومة العتيدة سلفاً لدكاكين الخلايا النيابية الصغيرة لشراء أصواتها البرلمانية؟ من العبقري الذي سيرضي ٧ كتل مثلاً في حكومة ثلاثينية أكثر من نصف وزاراتها ليست Sexy Enough لإرضاء أحد؟ كم ستعمر هذه الحكومة، وكيف ستنجح في إتخاذ قرارات في مجلس كل من إيدو إلو؟ ولا أريد أن أفكر في إنتخابات رآسة الجمهورية مثلاً. جرب أن ترسم فسيفساء مجلس النواب النسبي، وقم بتشكيل حكومة إفتراضية على أساسه.

النظام الحالي هو بكل بساطة فرانشيز (Franchise) سياسي لمحاور إقليمية ودولية. بعض الماركات السياسية المحلية تحقق نجاحاً ملفتاً في الأسواق فتلفت أنظار مستثمري المشاريع العابرة للبحار (والحدود) فتتبناها وترعاها وتمولها "وتنصحها" وتوظفها في السوق الداخلي. في المقابل تحاول الماركات التي تعاني من كساد موسمي أن تحافظ على وجودها في السوق بأي ثمن عبر افتعال ضجيجٍ هنا وإطلاق شعارات من نوع ال-SOLD هناك، في إنتظار موسم أفضل تجد فيه تلك الماركة من يحتاج ماركة للتمريك إلإقليمي أو الدولي فترتمي في أحضانه وتحت أقدامه ممارسةً ستريبتيز سياسي أملاً بلحظة إبهارٍ تحت الأضواء وخلفها. وكذا هي الأيام نداولها بينكم.

غير أن النظام الأكثري يحد من الماركات السياسية القابلة للإستثمار. فحالياً، أنت أمام إما ٨ أو ١٤. هناك دول إلتزمت تلك الماركات حصرياً مقفلةً الباب أمام أي مستثمر جديد (إسأل اردوغان). أما في نظام برلماني يرتكز على النسبية، فسندخل في عصر إنفتاح  تلغى فيها الحصرية المركتجية فيصبح بإمكان أي دولة تشكيل ماركتها السياسية الخاصة في البلد. يعني ممكن سريلانكا مثلاً تدعم شيبوب تاجر الحبوب وأولاد عمه المحترمين بكم مليون تياخدولن نائبين في المجلس. وتركيا. وقطر. وبوركينا فاسو.

النظام النسبي يمكن تطبيقه دون النظر إلى المحاذير في دولة كهولندا هي من أصغر الدول وأنجحها في آن. في السويد حيث يطغى حس العمل الجماعي على الفردية وحب الظهور. في لبنان، هناك حاجة أن ننسج نظاماً يستفيد من قدرة النسبية على تحقيق التمثيل المثالي للمجتمع ويتجنب سلبياتها على مستوى فعالية السلطة التنفيذية واستقلاليتها وضمان الإستمرارية في عمل مؤسسات الدولة. نظام لا يضيع المزيد من الوقت ويهدر المزيد من الفرص عند كل مفترق. فالوقت هو أقصى خسارة يمكن أن يتكبدها مجتمع تأخر عن ركب العصر.

النسبية في الإنتخابات النيابية طرح مثالي بشرط أن نفصل بين تكوين مجلس النواب -عبر إنتخابات وفق قانون نسبي- وتكوين السلطة التنفيذية عبر الإنتخاب المباشر لرئيس الدولة -رأس السلطة التنفيذية- مباشرةً من الشعب وخارج معادلات قوى البرلمان. وهو طرحٌ اسهبت في شرحه في مقال الدولة اللبنانية وأحلامي الأفلاطونية - راجع الفقرة ٢) السلطة التنفيذية.


0 comments:

Post a Comment