جمهورية الكراهية

Friday, April 8, 2011 0 comments

مع إقتراب ١٣ نيسان، ذكرى الحرب الأهلية في لبنان
كان هذا المقال

كم أنتم عظماء أيها الرحابنة وكم هي رائعة فيروزتكم وابتسامات أغانيكم. كيف استطعتم تلوين بلد كلبنان بأقواس قزح المحبة ونوافير البراءة وشموس القداسة. وكيف استطعتم إقحامنا في فقاعة وطنكم الحالم وصومعة خيالكم الهائم وحقننا بسحب دخانكم الشذي حتى الإدمان والثمالة. فصدقنا أن وطن ألحانكم هو نحن، وغابت عن قلوبنا حقيقة أن من لا يجد لنفسه وطناً يدغدغ تطلعاته، ينكفئ إلى ربوع أحلامه وأكوانها ليعجن وطناً أحلى. 

هناك من يدعي أن من يمسه شيطانٌ خبيث يجب أن يجلد حتى يتخلص من شياطينه، وأنا لا أوصيكم بتجربة علاجات الخرافة والسخافة. ولكن من الواجب أحياناً جلد الجسد لاستثارة ما فيه من عنفوان حياةٍ مدفونةٍ تحت غبار الظلام. كمن يصفع  مغشياً عليها لتصحو قبل أن تموت.

فالننظر في المرآة لنرى الحقيقة بدل أن نرسم وروداً بطبشورنا ونمتدح رائحة عبيرها. فبالحقيقة فقط نغير ما بأنفسنا قبل أن ننادي بالتغيير الكبير على مستوى المجتمع وصولاً إلى تأسيس وطن.


ولادة العقار رقم ١٠٤٥٢ ككيانٍ واحد كان نتاج نزعة فوقية وكرهٍ من قبل عشائر هذا العقار تجاه قبائل محيطهم، فأرادو مزرعةً لهم هم وحدهم، يسيجونها بعقدهم ومخاوفهم وشوفينية عنصريتهم المتجذرة. تلاقت هذه الرغبة (وربما تم انتاجها أصلاً) مع حساباتٍ إستعمارية معروفة، فكانت البداية.

وحكم العقار على مدى عقود حفنة من إقطاعيو السياسة مستنبطين فكرهم ونهجهم العام -كما أقر بعضهم -  من أفكار إحدى أشد الأيديولوجيات الأوروبية نفخاً في أبواق الكراهية إبان الحرب العالمية. وهي النزعة التي لفظتها أوروبا لاحقاً بل وحاكمت كل من يتعاطف معها. في حين استمرت تلك النزعة في لبنان تتبادل قبل الكراهية على مستوى المواطنة في الداخل وتنتقل من سريرٍ سياسي إلى آخر في الخارج.  حتى انفرجت القلوب بما فيها وانفجرت الحرب الأهلية (وهي حربنا نحن الذين استقطبنا الآخرين إلى مستنقعنا)، وهي الحرب التي عرتنا من أكاذيبنا الممجوجة وأذابت ثلج تحضرنا المصطنع لتكشف هرج همجية مجتمع.

ثم قرر العالم أنه قد آن أوان وقف المذبحة، فشدو رعاع العقار إلى وتدٍ من التسويات، فمنهم من أعجبته غنائم المصالحة فغسل دم الأبرياء عن وجهه وابتسم، ومنهم من إعتبر أن الذبائح التي قدمها على مدبح العقار يستحق عليها منافع أكثر فرفع ساطوره ليقطف مزيداً من الرقاب، فكانت إرادة الخارج فوق إرادته فانكفأ. 

وولدت نخبة جديدة من خلف الدشم وأشلاء الضحايا. وجاء دور من كانو هم المفعول به في الماضي ليكونو الفاعل، فمارسو فعل الكراهية بنفس نشوة من طغو قبل الحرب. لم يتعلمو الدرس ولم يستفيدو من أخطاء الأمس. وتدحرجت كرة الكراهية المتبادلة دافنةً تحتها أحلاماً وأجيال. وانقسمت العشائر بين معسكرين متساويين في العبثية متعاكسين في الإتجاه.

واليوم، هناك من ينادي بالتغيير والإنقاذ، وهي رغبةٌ تهفو قلوبنا جميعاً للقياها. ولكن التغيير لا يكون وفق نفس العقلية التي أنتجت كل المصائب التي حلت على هذا المجتمع. الكراهية لا تنتج تغييراً. التقوقع ونبذ الآخر لا ينتج تغييراً. شخصنة القضايا والتعاطي معها بغوغائية من أسره حجم ظلاله في الماء فظن أنه استحال مارداً يسحق كل من لا يستسيغه تحت أقدامه لا ينتج تغييراً. صراع الديوك فوق التلال هي استعراضات تطرب الناظر، ولكنها تضع مصير التغيير أمام مخاطر.

في العقار ١٠٤٥٢ نعيش جميعاً شئنا أم أبينا. بكل تناقضات افكارنا ونزعاتنا. من يرى الناس فصائل ويتأمل إنقراض فصيلٍ من هنا أو دخول فصيلٍ هناك في نفق النشوء والإرتقاء الدارويني لتتغير أطباعه وفق المذاق الذي نشتهي، فالينتظر إلى الأبد.

في لبنان لا يمكن للتغيير أن يكون على حساب أحد، بل تغييراً بمساهمة الجميع دون إستثناءات جدلية المراهقة.  الطموح هو أن نشجع الآخرين لتبني مسيرة التغيير، لا أن نحارب لتغييرهم وإلغائهم وشطب اسمائهم.

والتغيير ليس ملكية خاصة، بل حق عام لا مكان فيه لبراءة إختراعٍ من هنا وحقوق حصرية من هناك. هو مسار لا أفضلية فيه لأحد على أحد لا من حيث الأسبقية ولا الإنتماء ولا الفتاكة والنبوغ ولا خشونة الصوت.

التغيير يطلب لذاته وليس للقفز من خلاله لتعميم أحقاد شخصية أو حزبية أو فئوية أو مناطقية. من لديه حسابات خاصة فاليمتلك الشجاعة واليشهر معاركه الخاصة بعناوين واضحة لا تركب مشاعر الناس وتطلعاتهم البريئة المحقة الرامية لتأسيس وطن يليق بنضالاتهم. 

فمرحباً بكل من يتبنى التغيير في لبنان مواطناً أو قيادةً أو حزباً أو فريق كرة سلة! المهم أن يكون تغييراً نتوافق عليه لا تغييراً نتنافق حوله. من يريد تغييراً حقيقياً يتنزه عن الشخصنة أمام قدسية القضية. وكفانا مغامرات في مجتمعٍ إحترف هواية قتل الأمل.


0 comments:

Post a Comment