رحلة إلى زمن القلق...اللهم لا شماتة

Monday, January 24, 2011 0 comments


ماشي لا ناقة لي ولا جمل، وإذ بيفز (يعني بالفرنسي يقفز) من ورا الكوع زلمي أشعث الشعر محدودب الضهر تتلبسه نظارات سوداء...يمكن ما في نظارات، بس في سواد طابش على محياه. المهم...ما لحقت مسكتو وجعر صوت، قلت بس! هيدا يوم لقيامي! إصفريت، سيريسلي I got paled! 

جلد يديه على اكتافي مرةً وصفع وجهه مرتين قائلاً :"شفت شو صار؟!!!" وركض مدبراً لا يلوي على شيء.... إذ  ببيك أب مكركع نمرتو  كم١٠٤٥٢ راجع انرييه (بعتقد كان عمبيكر لأن ما شفت شوفير بألبو، أو يمكن السائق قزم) فمعس المغدور معساً وهو يقطع الشارع........ 

.........طبعاً......وبما إنو لا ناقة لي ولا جمل، متل ما خبرتك already، وقفت متل الأطرش بالزفي. ما عرفت إذا بقول sauvage أو dommage. أأرسم ابتسامةً بلهاء من وحي المفاجأة، أو أنقش تعابير شفقة مزيفة على محياي الجميل؟ أو أشقل اكتافي وأمط شفافي إنو أنا cool وأي دونت كير...

وحياتك ما لحقت...ما وقفت إلا ولبج أمامي على قارعة الطريق رجلاً أعتقد...أعتقد... أنه قفز من أعلى المبنى، وإن بعض الشك إثم. وبما اني لبناني -يعني شاطر بالتفشيخ- فقد فشخت من فوقه معبراً عن اعجابي بفكرته الإنتحارية، في زمنٍ هجرت فيه قطرة البنزين جيوب عشاقها.
ما بخبي عليك، زرزع بدني. فبدأت بتمشيط المنطقة بنظراتٍ فاحصة متلصلصة، ويا لهول ما رأيت! (حط موسيقى هيتشكوكيه عشان الموود!).

فهنا، رجلان يقفان كصنمين يحدقان في بعضهما البعض بعيونٍ من زجاج، يتصافعان ويتصافحان ثم يتصافعان ويتصافحان ثم يتصافعان ويتصافحان... شحت بوجهي عنهما فسقط نظري على وردةٍ مسكوبةٍ في جسدٍ إلاهي تسابق الشارع وقد اضرمت النار في شلالات شعرها السابح خلفها كشهابٍ من فزع! وهناك قرب عامود إنارة، شابان ينطفئ الحلم في وجهيهما ويشرق. متقابلان ينحني كلٌ تجاه الآخر متجنبين تلامس الأيدي، يناطحا رأسيهما بعضاً ببعض كسيوفٍ من حجر. حتى إذا ما انفرطت أجسادهم إلى الأرض، كنستها الجموع مجرجرةً اسماءهم إلى اللامكان، لتفسح حلبة الموت أنيابها لثنائيٍ آخر.

رجع زرزع بدني مرة تانية. وحياتك وما بحلف عليك إلا بمصيبي. وكدت أجهش بالبكاء شاعراً بركبي تنسل إلى طور الإنحلال! مأنا لا ناقة لي ولا جمل، وشو بعمل إذا حداً سحبني على شي شوط مناطحة؟ وبينما أنا مستغرقٌ في عقد صفقتي المعتادة في المصائب، مردداً "والله والله يا الله هالمرة غير كل المرات! أقسم بالله! بس خلصني والتوبي! هالمرة عنجد عنجد! والله!" اخترقت رصاصات عيناي زجاج أحد المقاهي في زاويةٍ لا أبعاد لها. هناك، إنعصر نظري على كائنان يجلسان حول طاولة، يرتشفان فنجاني قهوة ويتحادثان بهدوء الملائكة ووقار الأنبياء. لا يخدش كمالهم إلا أزيائهم التنكرية. ولا يرف لهما جفنٌ والكراسي والأشخاص تتطاير من حولهم وفوقهم كالزوابع. بدت تلك الطاولة بما حولها ومن عليها مسحة حقيقة خارج المشهد الملحمي. وللمرة الأولى ابتسمت إبتسامة الثعالب، وتسللت إلى الداخل متستراً بظلي الذي بات في رعب اللحظة أشد تماسكاً وكثافةً من جسدي المرتعش. انغرست في الحائط الساند للطاولة، استرق السمع... 


"ولك ما إنت بتعرف، أنا ضد الطائفية كوطني منفتح. بس إنو السنيورة يكفي بحكومي ما فيها ولا شيعي، هاي لعبي وسخة بصراحة. لازم الشيعة يقولو كلمتون!"

يقترب صاحب المقهى بسلاسة مومئاً "معك حق". مما يسعد الوطني المنفتح فيطلب فنجان قهوة جديد تنفيعة، رغم أن الفنجان الأول مازال في عز شبابو.


"معلش...رغم أني لبرالي ملحد، بس لازم الفت نظرك إنو الله ما بقولا الشيعة يحطو ميقاتي رئيس حكومي، بدل زعيم السنة. هاي أوسخ يا رفيق!"

"شوف عندو وجهة نظر للصراحة" يقولها صاحب المقهى بكياسة، واضعاً فنجان القهوة الجديد أمام الوطني المنفتح. يبتسم اللبرالي الملحد ويطلب دونات شوكولا رغم مرض السكري الذي يعانيه.


"حبيبي الله يلعن هالنظام من أصلو! بس بالأخير هاي الديمقراطية! نحنا -قصدي هني- من الأساس حزب الله بدو الدمقراطيه الإسلاميه. بس إحترم الكومبرومايز ومشاها ديمقراطية حاف. حاج تنق!"


"ولك بدكن ديمقراطية ولا دمقراطيه توافقيه؟ ارسو على بر! ورغم أني لا مع هو ولا مع هو،  بس يعني مؤقتاً ورغم أني لبرالي، لازم نحترم الدمقراطيه الطائفية التوافقيه. هاي بطمنا -أصدي بطمنون- كسننه. بعتقد هاي أنسب شي!"


"هلأ على دقي صرت ديمقراطي طائفي توافقي؟ اححا! تختخو اضلاعنا من البرد أيام السنيورة ونحنا نطالب فيها. عالقليلي حكومتنا رح يكون فيها سنة ورئيسا سني. مش شيعة فري يا روح امك!"


"لا لا Now you are cutting Deep!" 
"بس للدغري الزلمي مش غلطان" يهمس صاحب المقهى مقاطعاً.... "عمللي سندويش سجق، إذا بتريد" يقول الوطني المنفتح باسماً، رغم معاناته من حالة بواسير مزمنة.


"بس حضرتك نسيت شغلي مهمي يا استاذ! ترسانة تسلح بتبلش هون وبتخلص بإيران مروراً بسورية. ودمقراطيه يا عسل! نحن كسننه أو ١٤ آذار منلعبى دمقراطيه مش مدفعيه. انتو دولي داخل الدولي. بدكن تغيرو إتفاق الطائف يللي كرس توازن طائفي حازم.وسمحلي قلك من منطلق ليبرالي عتيق، هيدا الموضوع خط أحمر! طبعاً، رغم كل تحفظاتنا على نظام لا نتبناه"




"ليك ماتخليني فجر حالي! شو سلاح وتهديد ودولي داخل الدولي وبطاطا وورق عريش. ليش إمبرطوريتكن المالية والسياسية كخة؟! بتبلش هون بتمرق على الخليج وبتكفي على أمريييييكا! شتريتو الناس بالإنتخابات وهلق تهديدات بتدمير الليرة وتقطيع الطرق!"



"للشهادي تنيناتكن حديثكن بالعمق" قال صاحب المقهى

"نزل غدا!!! مشاوي من جميعو!"



"دخيل أنطوان زهرة تبعك! عم تسقيه؟"   




"لا والله، مشغول عم فتش لوجيه البعريني على إسم فني"
"يل...ج..فد.د..دسد.....ايوه..رو.."

"ك..أ...وف...و....فيل...دجاجي.."
"....................................."
"....................................."
"....................................."
"....................................."

طبعاً انتو نسيتو محسوبكن مزحوم بالحيط. شارد عامفكر كيف أيام ربيعهم وصيفهن ما كان إلي مطرح. وهاي بخريفهن وبشتاهن عامبيجنو وأنا مزروك بالحيط بدي السلامي مش مسترجي حتى إسأل طب أنا يللي عنجد مش طائفي ووطني أكتر من أبوهن كلن، وين حطوني؟


مين قال واجب يحكم رقابنا يا أنكر يا نكير يا لإثنين معاً. بدي اصرخ بس بلكي ما سمعو؟ بكون صريخ صوتي الفيروزي رح عالفاضي. بدي انتفض عليهن كلن بس بلكي ما زبطت؟ بصير مسخرة! بدي قاوم بس.... ياخي بيقتلوني.... هني كتار. مابسترجي. صاحبي الروح بالروح، كان هيك متلي. الله يرحمو. ضل حاشر حالو بالحيط لوقع عليه وقتلو. جاري كمان كان هيك. الله يرحمو. هوي وماشي بالشارع وقع عليه زلمي ناطت عن السطح. جثة جارنا بعدا بالحبس بتهمة التسبب بقتل المنتحر. إبن خالتي أكل نطحة سجلت ضد مجهول. لأ هيدا الله لا يرحمو لأن بعد ما مات. زمط. بس رنت معو شوي. بسيطة. حسب تقرير الطبيب بقول "أدمن أن يضع قبضة يده في فرجه ويلحسها بشكل مطرد". مرقت على سلامي وما مات.كمان في شاب نسونجي منعرفو كنا، هوي متلنا هرييب، بعدو مفقود. وفي...

حاسس الهوا تقل والحيط الحاضني عم يتكسر! انكشف وجودي. بس ما رح قاتل. بلكي بيتركوني. كل المهسترين صاروا يمرقو قريب مني ويخبطو فيني. يمكن بالغلط. بس ليش لكل مبحلق بوجي؟ كل عفاريت المدينة. انكمشت على حالي وقلت يصبي واجه أو هروب للأمام. وطبعاً القرار كان التقليدي. ببقى بواجه بعدين. يا صبي هروب هلق. بلكي غيرك اجا واجه، بتقطفها عالسليم، ما أنا من طراز لبناني متلت بلدي أصيل، وهيك الحربوق اللبناني لازم يعمل. يلا هروب. ما في بالقهوي بهالتكي إلا لتنين المتنكرين حول الطاولي. وهاو عاقلين. هروب! هروب! ما لحقت آخد نفس قبل الهرب وإذ بالمتنكران ينتفضان وفحيح الشر يعبق في عيونهم. خلعا ازياءهم التنكرية فركع كل مسخٍ في المدينة التي هدأت هدوء الموت. فأيقنت أن المتزلفان وطنيةً وانفتاح هما أصل اللعنة! بدآ بالإنتفاخ في وجهي وعيونهم تغلي وتتسع حدقاتها لابتلاعي. وبدأت أسمع طقطقة قفصي الصدري المتداعي قبل أن أشعر الألم. فرأيت وجه الموت!

إنتفض جسدي فاستيقظت على صوت هستيري يزعق:"قلتلكن ما بدي نام! بعرف! بعرف! كل ما نام بصير هيك!" ...هذا صوتي المنفجر من جسدٍ مشدودٍ إلى سرير طبي بأربطةٍ لا فكاك لها. وسمعت صوتاً حالكاً يطلب الحقنة. ثم شعرت بوخزة، فبرودٌ، فاسترخاء. وارتاحت عيناي...وغفوت...  

وإذ بيفز (يعني بالفرنسي يقفز) من ورا الكوع زلمي...

قبل ان تسخر من حالتي وتشمت في خنوعي وجبني حتى أثناء النوم، وقبل أن تحلل أي من شخصيات حكايتي، أنظر ملياً في المرآة!

0 comments:

Post a Comment