مجزرة الأفاعي وفلسفة الأرانب

Friday, August 10, 2012 0 comments



يوم تاريخي مر على لبنان بالأمس. تم إنهاء الأزمة المهينة في شركة كهرباء لبنان، واليوم ينعم اللبنانيون بالتيار الكهربائي بشكل متواصل. تم برمجة الدين العام بالتوازي مع مشروع إقتصادي وإنمائي شامل يهدف لتحويل لبنان إلى مركز دولي لصناعة المعلوماتية عبر إستصلاح الأراضي الشاسعة القاحلة في سلسلة لبنان الشرقية وما حولها وتحويلها إلى لاس فيغاس التكنولوجيا وسليكون فالي الشرق الأوسط حيث يسمح بتأسيس شركات تهتم بصناعة المعلوماتية دون أي قيود أو ضرائب، بل إن الدولة ستبادر بتقديم الأرض المطلوبة للشركات من مشاعات الدولة المهجورة هناك وبتسهيلات خيالية بشرط أن لا يقل عدد الموظفين اللبنانيين في تلك الشركات عن ٥٠% موزعين على مختلف الأقسام وبتوازن واضح على مستوى الهرمية الإدارية.

كما تم وضع رؤية واضحة لتحويل بيروت إلى عاصمة للموضة والسلع الفاخرة على إعتبار أن لبنان عاجز عن المنافسة بالسعر وبالتالي فالمطلوب المنافسة بالماركة التجارية. ومن هنا فقد حصل إجتماع وزاري مختص بحضور مصممين لبنانيين عالميين ومستثمرين على إطلاع، وتم وضع استراتجية واضحة لتحقيق هذا الهدف. كما تم إقرار مشروع خاص بتشكيل مؤسسة متخصصة بتنظيم المعارض التجارية والمؤتمرات على مدار السنة بحيث يستطيع الزوار الإطلاع على سلع وخدمات  كل القطاعات الإنتاجية على مساحة الدولة.  ثم يقرر أي مصنع يزور وفي أي مدينة. وتم التداول في الجدوى الإقتصادية للإستثمار في صناعة الأفلام السينمائية. ومن جهة أخرى تم التصديق على مشروع تحويل معظم طرقات بيروت من سطح الأرض إلى تحتها خلال ٢٥ سنة على أن تتحول الطرقات الحالية إلى مساحات خضراء. وقد تم إقرار مشاريع استثمارية وسياحية مكملة لهذا المشروع لضمان مردود مادي يغطي تكلفة هذا المشروع الجبار خلال ٥٠ سنة. 

لقد اطلقت الدولة اللبنانية أيضاً مشروعاً لمطار تجاري في الشمال بحيث تتركز رحلات الشحن هناك ويكون مطار بيروت للركاب على إعتبار أن المشاريع السياحية والإقتصادية في الدولة ستؤدي إلى زيادة الرحلات من شحنٍ وركاب بشكل إستثنائي ومتزايد خلال السنوات العشر القادمة، فإقتضى التنظيم. كما تم إقرار مشروع متحف المآسي الإنسانية في صيدا حيث سيتم رواية قصص كل الحروب والمآسي الإنسانية من خلال مجسمات وتذكارات وبمساعدة أحدث وسائل التكنولوجيا لإعادة إحياء المشهد بحيث يشعر الزائر أنه قد عاد بالزمن إلى تلك اللحظات التاريخية من صفحات الإنسانية. كما تم وضع إستراتيجية واضحة للترويج وهناك تقديرات واضحة بالجدوى الإقتصادية المباشرة وغير المباشرة للمشروع. 

كما تقرر إنشاء مركز استشفائي عالمي ومراكز للبحث العلمي في الشوف، ومجمع رياضي دولي مع أكاديميات ترعاها الإتحادات الدولية في زحلة وتستقطب طلاب من مختلف أنحاء العالم. أما في صور فسيتم إستصلاح والتنقيب عن الأثار البحرية الغارقة لتأسيس متحف تحت الماء. 

على مستوى الزراعة، فهناك مشروع ضخم لتحويل كل الزراعة في البقاع وسهل مرجعيون وعكار إلى زراعة عضوية وتأسيس مؤسسة محترفة تفتح أسواق  لهذه المنتجات المطلوبة عالمياً. وذلك بعد التسويق الفعال للبنان ومنتجاته على هذا المستوى بهدف أن تضحي سمعة المنتجات العضوية اللبنانية كسمعة السيجار الكوبي في الأسواق. وأكدت الحكومة أن القيمة المضافة للزراعة العضوية تفوق تكلفة إستيراد حاجة لبنان للمنتجات الزراعية التقليدية مما يقلب الميزان التجاري الزراعي من حال الخسارة إلى الربح. وتم بالتعاون مع مؤسسات وهيئات دولية توزيع مهندسين زراعيين متخصصين في هذا المجال على المساحات الزراعية المشار إليها للمساهمة في هذا المشروع. كما ستقدم الدولة منحاً دراسية للطلاب ممن يريد التخصص في مجالات ذات صلة. وتم تأسيس المختبر الزراعي الوطني بهدف دراسة التربة والبذور وكيفية رفع جودة الإنتاج باعتماد الحلول العضوية. كما تم توقيع اتفاقات تعاون مع البرازيل وهي الرائدة في مجال التصنيع الزراعي وأستراليا وهي الرائدة في مجال تقنين الري وإستصلاح الأراضي وذلك لمضاعفة المردود الإقتصادي للزراعة اللبنانية.

هذا وقد تم استكمال العمل على كتابة دستور عصري بدل الدستور العنصري القديم ونجحت السلطة في إعادة هيكلة تأسيسية لمؤسسات الدولة بدلاً عن عصابات القانون السابقة. وبات للبلد ثوابت وطنية واضحة ومفاهيم لا خلاف حولها للهوية، والوطنية، والخيانة، والعمالة، والسيادة، والكرامة العامة والخاصة، وتم فصل القضاء وتنزيهه، وتم وضع استراتجية واضحة لتسليح الجيش وفق طلبات واضحة يحددها الجيش نفسه لا رجال السياسة، بهدف إعداد الجيش والقوى الأمنية بشكل كافي لتحمي الدولة وتشعر كل المواطنين بالأمن بالتوازي مع استراتجية متكاملة لإنهاء وظيفة أي سلاح آخر. 

بالمحصلة، لقد إنتقل لبنان بالأمس من عصر العقار الذي تتناثر عليه جماعات تدين بالولاء إلى كل من حوله، إلى وطن ومجتمع دولة. لقد اطمأن اللبنانيون للأصل والأساس، فزادو إصراراً على التدقيق في قانونية كل شيء - وفق منطق الدولة. ومن هنا كان النقاش الجاد والضجيج الحاد حول قضية إعتقال ميشال سماحة. 

دون كل ما تقدم، يتحول كل النقاش في موضوع ميشال سماحة وجهاز المعلومات ومن لف لفيف الإثنين إلى سماجة. دون ما تقدم، نحن في عقارٍ هو مساحة للصراعات الميليشيوية بامتداداتها الخارجية وعبر أمراء حربٍ بربطات عنقٍ - وبدونها. يجب تحديد طبيعة الموقف قبل القياس عليه. فجهاز (أو شعبة أو عصبة)  المعلومات هو فريق غير قانوني بالأصل بمقياس الدولة. أما بمقياس العقار، فهو ذراع أمني كغيره يتبع لفريق سياسي يعمل لصالح دولة أو دول ويضرب بسيفها. مع الإشارة أن فريق ميشال سماحة نفسه تعامل مع المعلومات كأمر واقع كغيره من الزمر الأمنية. هل تم إعتقال ميشال سماحة بشكل غير قانوني؟ لقد تم التعاطي معه بنفس المنطق المليشياوي الذي استهدف آلاف مواطني هذا العقار من المجرمين والمظلومين من غير المتنفذين. وبالتالي هي كلها ممارسات غير مقبولة بمقاييس الدولة المحترمة ولكنها في العقار رقم ١٠٤٥٢ أمراً واقعاً منغرساً في الجينات الوراثية لهذا الكيان. 

من جهة أخرى، هل يتعامل ميشال سماحة لصالح دولة أخرى؟ أسأل السؤال واتشقلب على ظهري من الضحك. ثم أتساءل أين الإكتشاف الإستثنائي الذي حصل بالأمس واحتاج لكل هذا البحث والإستقصاء؟ فبمقاييس الدولة، هو عميل لدولة أخرى (بغض النظر إذا كانت شقيقة أو رفيقة أو عدوة أو طليقة أبونا). ولكن هل يبقى إبن مرا خارج السجن إذا طبقنا مقاييس العمالة في معجم الدول على أي طاووس من المتغندرين على الساحة السياسية اللبنانية؟ وبالتالي فبمقاييس شجرة العقار الفاسدة، ميشال سماحة مجرد تفاحة. 

هل خطط ميشال سماحة لتهديد الأمن وزعزعة الإستقرار وإثارة الفتنة في الشمال والقضاء على صناعة التبولة (إلى ما هنالك من تهم)؟ فما القول في من هدد الأمن وزعزع الإستقرار وأشعل الفتنة بالصوت والصورة والسلاح على شاشات التلفزة؟ 

إذاً فالموضوع لا علاقة له لا بمظلوم ولا مجرم. لا قانون ولا استهداف سياسي. هذه كلها مصطلحات تليق بشعوب تعيش في دول، لسنا منها. الموضوع كل الموضوع هو صراع ميليشيوي متبادل بين عصابات تعمل بتوكيل خارجي وعلى الضفتين عبر أدواتٍ تتفاوت من سلاحٍ ومالٍ وإعلام وفرق رياضية. فعذراً لعدم إسطفافي مع أيٍ من القبائل المتضاربة إذ أن لحظة كهذه هي المفضلة لدي ، استفيد منها بالجلوس على كرسي المتفرج في مباراة ملاكمة اتمنى فيها سقوط الملاكمين بالضربة القاضية.

أما المتحمسين للدفاع أو الهجوم أو التعاطف أو الشماتة هنا وهناك، فاسترخو رخاكم الله! هذا إستعراض لا تأثير لكم فيه ولا دور ولا مكسب ولا قيمة. إستمتعو بممارسة رياضة ما، أو مشاهدة فيلم سينمائي، أو عشاء مع أصدقاء، أو فتشو عن أمرٍ فيه منفعة لذاتكم وللذاتكم. لعبة النفوذ والتجريم والشيطنة ومن ثم ركوب التسوية لها أهلها ولستم أنتم إلا وقودها، وككل شيء كلما ازداد عددكم اصبحتم أرخص سعراً. فكل هذا الضجيج العبثي الذي تظنونه نضالاً أو تسجيل موقف ليس إلى تعبئةً للفراغ بفراغكم والعكس.

إن كان الجلوس على التل راقياً في أي وقت، فهو كذلك عند تصارع الشياطين في الوادي. إهدأ، ضع كرسياً تحت شجرة واشتري كيساً من البوشار واستمتع بالمشاهدة دون التفاعل أو الإنفعال. فعندما تأكل الأفاعي بعضها البعض، من الغباء للأرانب أن تدخل كشيوخ صلحة، قضاةً أو فلاسفة.



Share |

0 comments:

Post a Comment