السامي في نظرية الكخ ماما أ أ، عن أبو حُشيش الحويصري

Wednesday, November 16, 2011 0 comments

Qannoubine valley,  lebanon


إذا راجعتم تواريخ المقالات السابقة، ستلاحظون وجود فترة لم أنشر فيها شيء على الإطلاق. لا انتظاراً لهدوء ضجيج النزق الثوري اللذي لم يترك مكانا لصوت أو لكلمة، ولا لعدم وجود ما يقال أو يكتب، بل لأخوض تجربة العيش كناسكٍ في صومعة معلمي الزاهد الشارد اللا متواجد أبا حُشيش الحويصري. تلك الصومعة الغافية على كتف الشفق، المتلحفة بعباءة الغروب وشغف الحياة.

وبعد هذه التجربة النورانية، رجعت حاملاً ذخر وفخر أبا حُشيش، عصارة علم الإجتماع اللبناني: نظرية الكخ ماما أ أ

فما هي نظرية الكخ ماما أ أ ؟

تعود تسمية الكخ ماما أ أ إلى ظاهرة لبنانية قديمة بقدم وجود لبنان (يعني قديمي كتير كتير). كلما حاول طفل ما أن يتطاول للمس شيء ما، تصفع الأم يده ناهرةً: "كخ ماما أ أ! هيدي مش لإلك، هيدي للكبار! أححح"

ويكبر الطفل، وتكبر معه عقدة الكخ ماما أ أ، وتتبلور بمظاهر وأشكال وألوان. وينشأ عن هذه الظاهرة المتراكمة مجتمع كخ ماما أ أئي.

على سبيل المثال، إذا لم تكن مارونياً تأخذ صفعة على اليد مع كخ ماما أ أ إذا طمحت لرئاسة الجمهورية مثلاً، والأمر نفسه على مستوى كل الرئاسات والمراكز والمناصب في القطاع العام، لكلٍ كخ ماما أ أؤها.  مما ينتج دولةً كخ ماما أأويه.

وإذا لم تكن من عائلة الزعيم السياسي، رئيس الحزب، فكخ ماما أأ.

 وإذا لم تكن متمذهباً ومتحزباً ومتقوقعاً ومتطرفاً وأردت وظيفة أو علاج أو تشجيع فريق كرة سلة خارج دائرة انتمائك الجيني فكخ!

ألم يلفتك أنه ورغم كل الشبق المتوحش للسلطة والتسلط، تبقى كل الزعامات السياسية حريصة على نفي رغبتها بالإستئثار؟ الكل يطمح لمشاركة الآخرين في الحكم، ولو في الظاهر. يعود هذا الأمر إلى العوارض الارتدادية لعقدة الكخ ماما أأ مما ينتج ظاهرة توافقية بحيث لا يلمس الآخر كخ ماما أأ ئيتي ولا المس أأ ئيته. تجنبنا لمس أأئيت بعضنا البعض يصهر المشاعر الكخخيه في بوتقة واحدة.

حتى على المستوى الشعبي فالأمر سيان. ولكي لا يظنن أحد انني أهذي، قومو بتجربة ميدانية على أرض الواقع لتلمسو بأنفسكم عظمة وواقعية نظرية الكخ. إتصل بصديق أو أخ أو إنتظر إجتماع العائلة وأخبرهم أنك تنوي تأسيس حزب، ثم أرسل تقريراً بردة فعلهم إلى مختبراتنا الكخخيه. تصور المشهد: الكل مجتمع في غرفة واحدة، وتتقدم أنت واثق الخطى قائلاً "لقد قررت تأسيس حزب سياسي"

حسب كل التقارير التي وردتنا، يمكننا التنبؤ لك بما يجب أن تتوقع. ردات الفعل تفاوتت بين التحديق في فراغ وجهك، إلى الإنفجار الضاحك الذي من الممكن أن ينتاب الحضور. بعض المتلقفين حقيقةً أخذو الأمر على محمل الجد فسألو عن طبيعة الحزب وأفكاره وطموحاته...... ليتبين لاحقاً أنهم عم يستلموك.

هذا كله نتاج الكخ ماما أأ. فكل من سيسمع بفكرتك العبقرية لتأسيس حزب سياسي سيصفعك على راحة يد طموحاتك المتفلتة ناهراً: "كخ ماما أأ!! هيدي مش لإلك، هيدي للكبار! أححح" ، النتيجة؟ كم حزب سياسي جديد أنتجته القاعدة الشبابية منذ ما يصطلح على تسميته نهاية الحرب الأهلية؟

والأمر لا ينحصر على السياسة. ما رأيك بمستوى العمل الجماعي في لبنان. كم مرة صادفت فريق عمل لبناني يتحرك بانصهارٍ كامل ويعمل الكل كجسدٍ واحد؟ أنا لم أكن محظوظاً لألتقي هذا الفريق. النزعة الفردية في لبنان هي الغالبة ولكلٍ بقعة ضوئه التي إذا اقتربت لتشاركه فيها وتعمل معه من خلالها كانت ردة فعله التلقائية تظهيراً منفراً لعقدة الكخ ماما أأ والمتأصلة جيلاً بعد جيل.

من هنا فإن نظرية العيش المشترك في لبنان محكومة بالمحاصصة وليس المشاركة. فالمشاركة تعني أن تكون شريكاً في الكل، أما المحاصصة فقوامها إستئثارك بجزءٍ من الكل وتصوين وتحصين وتطويق هذا الجزء ليصبح أنت وتصبح هو.

من هنا عظمة أبو حُشيش الحويصري القادر على إستنباط الأصل من التفصيل والعلة من التعليل. إن نظرية الكخ ماما أأ ليست إلا نقطة من بحر علمه الذي تعلمته منه كرفيق ومرافق. لا تسألني أين هو وكيف تلتقيه لأني تلميذه الوحيد ووارث علمه.  فكخ ماما أأ!




Share |

0 comments:

Post a Comment