العبور فوق جمهوريات الذ ل، عبر جمهورية ظل

Tuesday, May 24, 2011 0 comments


"حكومة الظل" مصطلحٌ شائعٌ في الدول الدول. أي الدول القائمة على هيكلية مؤسسات تعمل تحت سقف دستورٍ وقانون. هي حكومة مع وقف التنفيذ، تشكلها المعارضة كتحضير لليوم الذي تنتقل فيه قوى المعارضة إلى السلطة فتنقلب حكومة الظل حينها إلى حكومة سلطة. طبعاً هناك تجارب فلكلورية تستخدم هذا المصطلح خارج سياقه - هناك حكومة ظل في لبنان على فكرة! ولكن دعنا من كل هذا والندخل في الموضوع الأساس، الذي قد يتطلب بعض الصبر في القراءة قبل أن تتضح الصورة.

حكومة الظل تستوجب أساساً ١) وجود دولة ديمقراطية ٢) ممم... وجود حكومة أصيلة؟ إذ لا وجود للظل في غياب الأصل. ومن هنا فالحديث عن حكومات ظل في لبنان تجربة عبثية لا تخلو من الفكاهة. ما نحتاجه في لبنان هو جمهورية ظل تستولد ظاهرة شعبية عامة خارج سياق مؤسسات ما يسمى دولة. جمهورية ظل تؤمن حاجات المواطنين الأساسية بعيداً عن الهيكلية العفنة لنظامٍ منتهي الصلاحية. مؤسسات مجتمع مدني متخصصة هي أشبه بوزارات تنتج حلولاً موضوعية وموضعية لأزمات المواطنين دون الحاجة للتعاطي مع ما يسمى مؤسسات الدولة اللبنانية - قدر الإمكان. باختصار، إعتبار (أو الإعتراف، بمعنى أدق) أن الجمهورية اللبنانية هي دولة غير موجودة، والتعامل مع الواقع على هذا الأساس من حيث البحث عن أساليب مبتكرة لتحسين متطلبات الحياة بكرامة في العقار ١٠٤٥٢ وعلى مختلف المستويات.


قد يبدو الطرح غريباً للوهلة الأولى، ولكن التدقيق في سلوك حياة العقار ١٠٤٥٢ (تحت مسمى الدولة اللبنانية) يظهر وجود العديد من جمهوريات الظل القائمة على مؤسسات خارج نطاق الدولة الأصل. جمهوريات ظل بمؤسسات ومدارس ومستشفيات وشركات ومنافع. الهدف الأساس لجمهوريات الظل القائمة تحويل سكان العقار ١٠٤٥٢ إلى قطعان من الرعايا الراضخة لمتطلبات الزبائنية السياسية. وبذلك تحولت جمهوريات الظل التقليدية إلى جماهريات ذل.

الإنتقال من النزعة الفردية إلى التكافل المعيشي

إن المشكلة الأساس في ثقافة العقار ١٠٤٥٢ هو غلبة النزعة الفردية على منهجية التفكير حتى في ما يتعلق بقضايا عامة. في الظروف الحالية، من المستحيل للأفراد تحقيق مكاسب ملموسة خارج نطاق المجموعة. هي أزمة إما أن يتكافل الجميع للخروج منها أو نغرق جميعاً. ويمكن لخطوات محددة على الأرض أن تحدث تغييراً فورياً. لا يحتاج اللبنانيين مزيداً من الشعارات ولن يتفاعلو معها. هم بحاجة إلى بارقة أمل. خطوة صغيرة صغيرة صغيرة في الإتجاه الصحيح تتبعها خطوات. كل التنظير والتبشير بإمكانية التغيير لا يجدي، المطلوب إحداث تغيير فعلي على الأرض كبرهان على وجود الأمل. لا تطلبو من المواطنين الدعم وتعدونهم بنتائج، فقد يئسو من كل الوعود. حققو بعض النتائج أولاً فيدعمكم المواطنين.  

فيما يلي طرح قد لا ينسجم مع ترف التنظير الأنيق، لكنها أفكار "تقنية" بسيطة من حيث الفكرة والطرح، عميقة من حيث التأثير. كان من المفترض أن تكون كل فكرة موضوع مقال مفصل، ولكن لا مفر من اختصارها هنا كونها تخدم الفكرة الأساس. مع ضرورة التأكيد أن توجه من هذا النوع يجب أن يتأطر في هيئة مشتركة تسعى لتعبئة شعبية عامة للمشاركة وتتجنب في المقابل تجيير أي إنجاز لأي من قوى اذار، أو لتيار يمثل يمين أو يسار. تجاهل وجود الدولة يعني بالضرورة تجاهل حسابات مراكز القوى والنفوذ أو الطامحين لاختراق مراكز القوى والنفوذ على ظهور من ينشط في الحقلين المعيشي والإجتماعي. وهذه التعبئة ممكنة اليوم من خلال وسائل كهذا النموذج مثلاً.  سيأتي وقت النقاش في الأحزاب وبناء الدولة في مرحلة أخرى. هناك أولويات أهم للمرحلة الراهنة، وخصوصاً مع الغياب التام والمخزي لما يسمى مؤسسات الدولة التي اعترفت بشللها واقتنعت به. يجب أن يكون عنوان مرحلة كهذه هو التجاهل، وليس التصادم. لا يمكن بناء دولة حديثة إلا بعد تجفيف منابع المنافع الضيقة لم هو قائم من خلال الخيار الشعبي المدني السلمي والموجة في الإتجاه الصحيح. أي خدمة المواطن كفرد ووضع حقوقه الإنسانية فوق أي إعتبار آخر، وقبل أي أولوية. وهنا نماذج:

دعم سائقي السيارات العمومية (كنموذج): اعتاد أحد الأصدقاء على إستخدام سيارته الخاصة للإنتقال أكثر من مرة يومياً بين كورنيش المزرعة والحمرا. للإختصار، وبحسبة بسيطة، تكلفة الإنتقال بالسيارة الخاصة بين البنزين (في زحمة السير المعتادة) ومواقف السيارات أضعاف تكلفة الإنتقال باستخدام السيارات العمومية. ناهيك عن تلف أعصاب القيادة - خصوصاً في المدن اللبنانية. طبعاً، للسيارة الخاصة منافعها، ولكن هل يمكن مقارنة المنافع الخاصة هنا بالمنفعة العامة لاستخدام السيارة العمومية؟

أولاً، كلما إستخدمت سيارة خاصة دون مبرر على حساب السيارة العامة، فأنت تحرم عائلة لبنانية من ربطة خبز، مع قدرتك على تجنب ذلك. إن غرس فكرة كهذه في لاوعينا الوطني هو بداية الإنجاز. كلما استخدمت السيارة العمومية مرة، تساهم في رغيف خبزٍ لأطفال السائق، دون أن تتكلف في المقابل أي قرش زيادة عن تكلفة سيارتك الخاصة. كما تساهم في الحد من التلوث الذي يرتد عليك وعلى كل من يعنيك أمره أمراضاً منها المزعج ومنها القاتل. 

يجب إطلاق حملة مكثفة للتوعية في هذا المجال، من منطلق التكافل الإجتماعي المثمر للجميع. يجب الإنتقال من مرحلة التشبيح بسيارة خاصة إلا مرحلة التشبيح بتحمل المسؤولية وتبني الخيارات الصحيحة. والنتواصل مع النقابات المعنية لتطوير الفكرة. يمكن إنشاء مواقف على مداخل العاصمة للقادمين من خارجها. مواقف مجانية لسيارتهم واليدخلو المدينة بسيارات الأجرة فيقل الإزدحام ونصل إلى حيث نريد بوقت أقل وتوتر أقل. والتفرض النقابة خطوط سير للسائقين ومعايير سلامة مع مهلة ثلاثة أشهر مثلاً لتجهيز سياراتهم كما يلزم. 

إن وضع خطة عمل جدية لتسويق هذا الطرح يخدم مئات العائلات اللبنانية أكثر من كل مغامرات الجمهورية المنقرضة. زيادة مردود سائقي الأجرة يؤدي بالضرورة إلى زيادة انفاقهم (مما ينعكس زيادةً في مردود الدكاكين ومحلات الملبوسات الصغيرة وغيرها). من هنا نستعيد المبادرة وبخطوات كهذه نحرك بعض أسنان عجلة الإقتصاد الصدئة.

تأمين الخدمات الأساسية للمواطن 

هل هناك حل سريع لمشكلة الكهرباء خارج إطار الدولة وشركتها؟ هل يمكن تأمين خدمة انترنت أسرع بتكلفة أقل ودون الحاجة لتغييرات بنيوية كبيرة؟ خدمات خليوي أفضل ولو بخطوط دولية؟ دعك من قوانين الدولة وامتيازاتها، فالشعب هو مصدر كل السلطات. حين تعجز الدولة القائمة عن تأمين الحقوق الإنسانية للمواطنين يستعيد الشعب أمانته التي اودعها للدولة ويدير شؤونه بنفسه. فالنتلق شركات مساهمة انمائية (ولو بهيكلية رمزية) يسجل فيها المواطنين الراغبين اسماءهم كمساهمين (دون بدل مالي) واليتم شراء (أو تأمين بمنح) مولدات قرى مثلاً (للكهرباء). تمويل هكذا خطوة ممكن بأكثر من إسلوب إذا أبدى المواطنين استعدادهم للدفاع عن حقوقهم المكتسبة في وجه الدولة الفاشلة. وفي النهاية، هم من يمتلك تلك الخدمات وشركاتها والأرباح الصافية تعود اليهم.

كما أنه من المهم تشكيل لجان مناطق من متطوعين لتأمين بعض الخدمات الوطنية كنظافة الأماكن العامة على سبيل المثال. ما نحتاجه هو الرواد الأوائل ومن خلالهم تنتقل العدوى إلى كل المواطنين للإنخراط في مسار التكافل الوطني.

إنقاذ الإنتاج اللبناني 

قليلاً من التضحية أمر مهم في هذه المرحلة. قد لا تكون الصناعة اللبنانية بنفس جودة الماركات التجارية الأجنبية. ولكن من الممكن تطويرها من خلال دعمها على المستوى الشعبي. فالتكن الأولوية للسلعة اللبنانية ثم فالندفع المنتج بتجاه تطوير تلك السلع. التفصيل في هذا الأمر يتطلب مطولات، لكن الفكرة واضحة. 

لم أنشر أي مقال منذ اسابيع. إن ظروف العمل والسفر ثم تغير مكان الإقامة أسباب أساسية وراء ذلك. ولكن لا أخفي عليكم أن التنظير الشعري والنحوي الذي غمر صفحات الإنترنت ساهم في ابتعادي قليلاً بعض أن أوضحت وجهة نظري في أكثر من مقال وأكثر من مكان. يمكنني القول (وبأسف) انني كنت محقاً في إنتقاد عبثية تحركات نشطاء المجتمع المدني ومن حاول ركوب موجتهم في الأسابيع الماضية. فهل حان وقت التفكير البارد واجتراح أفكار مثمرة؟



0 comments:

Post a Comment