نوستالجيا لبنانية

Thursday, February 17, 2011 1 comments



الآن وقد دخلت مرحلة الإنتظار لسفري إلى لبنان نهار الأحد، بدأت أعيش الحالة التي تنتابني كل مرة. حالة انفصال تام عن المحيط بعد أن سافر العقل قبلي ليخبر القلب الذي بقي هناك ولم يغادر يوماً، انني قادم.

وحين أصل، تدب في أشلاء ذاكرتي شيئاً من حياة. لا أرى في الأيام الأولى إلا وجوه أهلٍ وأصدقاء فأتساءل إن تغيرت قسمات وجهي بالقدر الذي أعاد المغيب فيه رسم خطوط وجوههم. 

أول ما يسعدني هو سماع الناس من حولي في مطار بيروت يتكلمون لغتي. هؤلاء أهلي كلهم كلهم دون أن أعرفهم. وهذا بيتي بكل مدنه وشوارعه والمنازل رغم أنف كل من يسعى فرزاً وفصلاً وتقسيم. كلهم يشبهني أو يشبه أمي أو الوالد فاتركوني على سذاجتي لا أريد تعقيدات نضوجكم!

أول ما يرهبني كلما أعود، هو إجتياح بشاعة الاسمنت الرمادي الميت مزيداً من مساحات الحياة الخضراء مفترساً شجرةً أحببت هنا وسهلاً عشقت هناك! هي كانت بوصلة ذكرياتي ورائحة الطفولة. جزءًا من هويتي قد دفن غدراً وتلاشى إلى غير رجعة خلال الغياب. 

أول ما يرسم على وجهي إبتسامةً صفراء هو الزيادة المهولة لعدد السيارات ومعارضها وزماميرها والحالة المزرية للطرقات والأرصفة والمواقف.

أول ما يضحكني هو أخي الصغير وقد إزداد طولاً وعرضاً وهو يصافحني بإسلوبٍ رسالته واضحة: لقد أصبحت رجلاً كما ترى! والغصة الأولى في لقاء الوالد والوالدة وقد تركتهم خلفي في زيارتي الماضية حاملاً على منكبي سؤالاً مرعباً يهزني كل يوم حتى الملتقى.

نشوتي الأولى هي في الطعام وقد اعتدت أن لا آكل في الطائرة حتى أصل، فأمر لابتياع شاورما قبل الذهاب إلى البيت. طبعاً من يأكلها حين يريد لا يدرك النعمة إلي عايش فيها!

أول ما يرعبني هو انقراض الإبتسامات في الشوارع وجفاف العيون في الوجوه. ما زال زمني متوقفاً عند يومٍ كان على ويلاته أجمل. ما أصعب الوطن حين يكون كل أمسٍ أجمل من كل غد!

أول ما يسحرني هو لحظة النوم في سريري القديم، فأعود طفلاً!

أول ما يزعجني هو انقطاع الكهرباء. وأول ما يتلف أعصابي هو بطء الإنترنت وتأرجحها بين حياةٍ وموت.

أول ما يجهدني هو اجتياح الأقارب وأقارب الأقارب وكل من باعنا يوماً ربطة بقدونس، كلو جاي يقوم بالواجب! مع حبي وتقديري:)

أكثر ما يخيفني خلال وجودي أن تخدش الكراهية المتبادلة في دولة العيش المشترك عذرية الوطن الذي احتضنته واحتضنني حيث ذهبت، فتراني اتقوقع حوله كالشرنقة لا اغفل عن رعايته لحظة. 

وحين يأتي يوم الرحيل، أودع نفسي المتفرقة بين من تركت خلفي وفي بالي ذات السؤال المرعب، يسكنني حتى الزيارة القادمة. وما أن تهدر الطائرة وتبدأ بالإرتفاع حتى انتبه، فأنتفض، ثم ابتسم...لقد غافلني القلب من جديد، وبقي هناك. 

1 comments:

Post a Comment