لن اكرر ما قلته في الأيام الماضية حول النظام اللبناني وتعاطي اللبنانين مع قذاراته بألوانها وأشكالها المختلفة. إذا أردت سيناريو بمفعول رجعي لما حصل البارحة من مختلف زواياه، إقرأ "رحلة إلى زمن القلق" التي كتبتها قبل حصول ما حصل وحدد التقاطعات. باختصار فاصل تنمير لا علاقة له بالتغيير قدمه اللبنانيون الأذكياء قرباناً إلى نادي الزعماء. فقط لا غير. وقد استعملت "زعماء" بالجمع لأن التجييش المذهبي دعماً "لزعيم" هنا، يولد قوة تجيش مساوية لها في القوة وتعاكسها في ألإتجاه منعشةً "زعامات" طائفية على المقلب الآخر. هذه فيزياء النظام السياسي اللبناني الذي لا كيمياء فيه. وباللبناني الفصيح يللي مصدق إنو دواليب بريدجستون بتغير موازين القوى في المنطقة وبتسققط استراتجيات، يمسك أعصابو و Gear دماغو ويسققط غيار!
وكي لا يقولو لاحقاً "ما حدا خبرنا" فيحملونا عقدة ذنب. هنا السيناريوهات للسنوات الخمس القادمة، إذا جنابنا ما طحشنا (والظاهر رح نكسر الرقم القياسي تبع نومة أهل الكهف). المهم، كفي معي... دون أن تتوقع موضوعيه لبنانية. يعني مش كل ما إنتقد ٨ آذار بشي لازم إدحش بمؤخرة المقطع إنتقاد ل ١٤ آذار إثباتاً للحيادية، وبالعكس. سيبك مني وخلينا بالموضوع.
سبب كل هالهيصة والليصة، بالنسبي ل ١٤ آذار (القيادات العظام، سيبك من الناس) هو الخوف من أمرين، وتنفذاً لثالث وطمعاً برابع: أولاً، الخوف من حكومة أحادية تفتح ملفات فضائح. والكل سمالله ملفاتو هاه! معجعجي. طبعاً هيك حكومي مش رح تفتح ملف صندوق الجنوب وصندوق المهجرين، عرفت كيف؟ إذا شطحو الشباب واشتغل مزيج شرش الزلوع ولأكزنكس، رح يلحقو سعد ومن أسعدهم لمستوى غسيل المعدي ومصادرة الموجودات. قرف أد مبدك يعني. سيبك من شح التنفيعات عالمحاسيب، وكلو حقو شعبية. هيدا الهم الأول، أما الثاني، فهو بكل بساطة إمكانية نجاح الحكومة الجديدة نسبياً، قياساً باللتي سبقتها. وبما إنو ما في شي تحت الطش بالصف، فهذا وارد. شو رأيك بحكومة لنجيب أكثر نجاحاً من سعد؟ مش كوول، رايت؟
أما قصة "تنفيذاً لثالث"، فهو تظهير الموضوع وكأن إنقلاب عسكري قد حصل، اقله للإستغلال الدولي. وهو في سياق مناشدة ١٤ آذار السياده والإستقلال للدول العربية واللاتينية لإرسال جيوشها لحماية لبنان. وهو أيضاً تمهيداً لخصي جرأة تلك الحكومة على التنفيذ المجاني لما قبله الحريري بثمن ، لجهة المحكمة الدولية.
أما الطمع - أو توسيع الخيارات بمعنى أدق- فهو في المشاركة بالحكومة. ما تنقز، روق وخليك معي للآخر. هذه فكرة القوات اللبنانيه في الأصل وقد مررت لتيار المستقبل. راجع كلام جورج عدوان في الإستشارات. خيار كهذا يعني أن تلعبها ١٤ اذار مقلوبي، ممططيةً الدور الذي لعبته ٨ آذار في السنوات الأخيرة. تشارك كأقلية في الحكومة فلا تتفتح الملفات الزفرة حرصاً على التضامن الحكومي من جهة، وتكون ١٤ آذار شريكة في النجاحات دون الإخفاقات من جهة أخرى. فالحكومة ليست حكومتها. سيناريو كهذا يمكن أن يخدم ١٤ آذار وخصوصاً عند بدء التحضير للإنتخابات النيابية القادمة قانوناً ومعارك.
ولكن هذا السيناريو يلزمه أرضية وتخريجة. حزب الله دعاهم للإنضمام، وللحزب مصلحة واضحة في ذلك. ولكن من الغباء أن يقبلو هذه المكرمة. يجب تركيع ٨ آذار وتقديم مكرمة مقابلة بتسهيل تشكيل الحكومة والإنضمام إليها، وطبعاً حرصاً على المصلحة الوطنية العليا كما تعلم. صرح الحريري قاطعاً أنه لن يشارك، وفجر الشارع. وفي ذلك جس نبض للأيام القادمة. فهذا خيار حساس لا لخطورته على المستوى الأمني- ليس من إهتمامات أحد- بل لمدى القدرة على التحشيد المتواصل والفاعل. الفشل في ذلك يقضي على أوراق ١٤ آذار التفاوضية. لذا فالتحشيد في المرحلة الأولى سيكون تدريجياً، يوم بيوم. والحريري في ذلك سيضرب ضربة على حافر التهدئة وضربة على مسمار التجييش، حتى إذا ضمن القدرة على التفجير ولعها ثورة. وهناك محطات كثيرة قادمة لخلق رد الفعل. ثم إذا خربت، جاءت لجنة سين سين، أو تي أن تي، أو بي أم دبليو وقدمت تسوية. لذا، سيتغير موقف المستقبل في اليومين القادمين لإبداء ليونة أكبر، حتى إذا لم يتم تنفيذ شروطهم للمشاركة، اتهمو الأخرين بالإغتيال السياسي بدل أن يتهمهم الآخرون بالسلبية.
الشارع سيكون الوقود في لعبة السلطة هذه. فإذا حصلت المشاركة - المستبعدة حتى اللحظة- فتوقع ستاتيكو جديد يا عزيزي وهنيئاً لك به. أما في حال تشكيل حكومة أحادية وفشلها، فهذا سيقوي تيار المستقبل بسنيته والقوات مسيحياً دون أن يضعف حزب الله كثيراً على الساحة الشيعية، لنفس الأسباب التي حافظت على شارع تيار المستقبل رغم تخبيص الحكم والإدارة السياسية الفاشلة (Save your Excuses!): الإنجرار والتجرجر المذهبي سيحمي الحزب الشيعي. وبالتالي تشكيل حكومة جديدة "وحدة وطنية" على قياس حكومات عهد الوصاية: ينكفئ حزب الله عن ملفات الدولة ويفلت في ترسيخ حضوره النوعي على الجبهة، في حين يفلت الحريري أند كو على مستوى الاستثمارات السوكلينية. والشعب طبعاً، كش ملك.
ماذا لو نجحت الحكومة الأحادية؟ مما لا شك فيه أن الملفات الملتهبة قادرة على تفخيخ الحكومة وتفشيلها. كما أن الإعلام والخطاب المعارض هو دائماً أكثر إستقطاباً من خطاب السلطة - وهذه ظاهرة عالمية. ولكن، حتى لو نجحت هذه الحكومة، ستبقى الإنتخابات النيابية القادمة محطةً مفصلية. السلطة -وحزب الله- ستنزل بثقلها الكامل دعماً لحلفائها، خصوصاً في الساحة السنية. إذا فاز المستقبل من جديد بالأكثرية السنية رغم نجاح الحكومة، فلا إمكانية لتغييبه عن ترؤس الحكومة الجديدة. لكنها لن تكون حكومة أحادية لأن حضور حزب الله سيكون قوياً بعد النجاح الحكومي. النتيجة؟ ستاتيكو تعايش جديد. والشعب طبعاً، كش ملك.
أما إذا نجحت القوى السنية بقيادة ميقاتي في نيل الأكثرية السنية، فستكون المرحلة اللاحقة إمتحاناً سنياً لقدرته في الوقوف نداً لحزب الله الشيعي - الآن وقد فاز بكتلة نيابية وازنة. وستركب قوى كثيرة تلك الموجة محلياً وإقليمياً، ولن يبقى التكتل السني بعدها تحت عباءة حزب الله. النتاج هو ١٤ آذار جديد بأسماء مستعارة. وتيتي تيتي.
طبعاً سيقول البعض: وماذا عن التأثيرات الدولية والإقليمية. بغض النظر عن مدى حضور لبنان على تلك الأجندة في الفترة القادمة، فإن هذه القوى ستعمل على الدفع بتجاه السيناريو الذي يناسبها من السيناريوهات المطروحة. إلا إذا كان أحدنا يؤمن أن التشيلي سترسل جيشها إلا لبنان وتفرض دستوراً جديداً لا طائفية فيه.
هذه هي ديناميكية هذا النظام. مادام الأستقطاب الطائفي هو الدافع الواضح لتحريك الشارع وبناء القناعات، سيبقى المواطن حيث هو، أشبه بذاك الفأر المهرول في مكانه في قفص المختبر. فهنيئاً لمن تظاهر بالأمس، وهنيئاً متأخرة للمناضلين الذين تظاهرو سابقاً لنصرة زعامات النظام في ٨ اذار أو ١٤شوه.
2 comments:
نظرية ممتازة اهنئك عليها. والشعب كش ملك لأن اللبناني إستعابو بطيء وما بعرف كيف بيعتبر حالو ذكي
مازال الألمان يبحثون حتى اليوم عن أسباب تأييدهم للحركة النازية في الأربعينات رغم فداحة افكارها. لا يوجد جينات ذكاء سياسي في العالم بل تراكم ثقافي حضاري.
Post a Comment